فصل: من فوائد الرازي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال القاضي أبو محمد: ويعترض هذا القول بظاهر لفظ الآية فإنه ينافره، والهدي لا يكون إلا في الحرم كما ذكرنا قبل.
واختلف الناس في الطعام فقال جماعة من العلماء: الإطعام والصيام حيث شاء المكفر من البلاد، وقال عطاء بن أبي رباح وغيره «الهدي والإطعام بمكة والصوم حيث شئت» وقوله تعالى: {أو عدل ذلك صيامًا} قرأ الجمهور بفتح العين ومعناه: نظير الشيء بالموازنة والمقدار المعنوي، وقرأ ابن عباس وطلحة بن مصرف والجحدري: {أو عِدل} بكسر العين، قال أبو عمرو الداني ورواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعض الناس «العَدل» بالفتح قدر الشيء من غير جنسه، وعِدله بالكسر قدره من جنسه، نسبها مكي إلى الكسائي وهو وهم والصحيح عن الكسائي: أنهما لغتان في المثل، وهذه المنسوبة عبارة معترضة وإنما مقصد قائلها أن «العِدل» بالكسر قدر الشيء موازنة على الحقيقة كعدلي البعير، وعدله قدره من شيء آخر موازنة معنوية، كما يقال في ثمن فرس هذا عدله من الذهب، ولا يتجه هنا كسر العين فيما حفظت، والإشارة بذلك في قوله: {عدل ذلك} يحتمل أن تكون إلى الطعام، وعلى هذا انبنى قول من قال من الفقهاء الأيام التي تصام هي على عدد الأمداد أو الأصوع أو أنصافها حسب الخلاف الذي قد ذكرته في ذلك. ويحتم أن تكون الإشارة بـ{بذلك} إلى الصيد المقتول، وعلى هذا انبنى قول من قال من العلماء: الصوم في قتل الصيد إنما هو على قدر المقتول، وقال ابن عباس رضي الله عنه إن قتل المحرم ظبيًا فعليه شاة تذبح بمكة، فإن لم يجد فإطعام ستة مساكين فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، وإن قتل أيلًا فعليه بقرة، فإن لم يجد فإطعام عشرين مسكينًا، فإن لم يجد صام عشرين يومًا، وإن قتل نعامة أو حمار وحش فعليه بدنة، فإن لم يجد أطعم ثلاثين مسكينًا، فإن لم يجد صام ثلاثين يومًا.
قال القاضي أبو محمد: وقد تقدم لابن عباس رضي الله عنه قول غير هذا آنفًا حكاهما عنه الطبري مسندين، ولا ينكر أن يكون له في هيئة التكفير قولان، وقال سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى: {أو عدل ذلك صيامًا} قال يصوم ثلاثة أيام إلى عشرة.
وقوله تعالى: {ليذوق وبال أمره} الذوق هنا مستعار كما قال تعالى: {ذق إنك أنت العزيز الكريم} [الدخان: 49] وكما قال: {فأذاقها الله لباس الجوع} [النحل: 112] وكما قال أبو سفيان: ذق عقق وحقيقة الذوق إنما هي في حاسة السان، وهي في هذا كله مستعارة فيما بوشر بالنفس، والوبال سوء العاقبة، والمرعى الوبيل هو الذي يتأذى به بعد أكله، وعبر بأمره عن جميع حاله من قتل وتكفير وحكم عليه ومضي ماله أو تعبه بالصيام، واختلف المتأولون في معنى قوله تعالى: {عفا الله عما سلف} فقال عطاء بن أبي رباح وجماعة معه: معناه عفا الله عما سلف في جاهليتكم من قتلكم الصيد في الحرمة ومن عاد الآن في الإسلام فإن كان مستحيلًا فينتقم الله منه في الآخرة ويكفر في ظاهر الحكم، وإن كان عاصيًا فالنقمة هي في إلزام الكفارة فقط، قالوا وكلما عاد المحرم فهو مكفر.
قال القاضي أبو محمد: ويخاف المتورعون أن تبقى النقمة مع التكفير، وهذا هو قول الفقهاء مالك ونظائره وأصحابه رحمهم الله، وقال ابن عباس رضي الله عنه: المحرم إذا قتل مرارًا ناسيًا لإحرامه فإنه يكفر في كل مرة، فأما المتعمد العالم بإحرامه فإنه يكفر أول مرة، وعفا الله عن ذنبه مع التكفير، فإن عاد ثانية فلا يحكم عليه، ويقال له: ينتقم الله منك، كما قال الله، وقال بهذا القول شريح القاضي وإبراهيم النخعي ومجاهد، وقال سعيد بن جبير: رخص في قتل الصيد مرة فمن عاد لم يدعه الله حتى ينتقم منه.
قال القاضي أبو محمد: وهذ القول منه رضي الله عنه وعظ بالآية، وهو مع ذلك يرى أن يحكم عليه في العودة ويكفر لكنه خشي مع ذلك بقاء النقمة، وقال ابن زيد: معنى الآية {عفا الله عما سلف} لكم أيها المؤمنون من قتل الصيد قبل هذا النهي والتحريم، قال وأما من عاد فقتل الصيد وهو عالم بالحرمة متعمد للقتل فهذا لا يحكم عليه، وهو موكول إلى نقمة الله، ومعنى قوله: {متعمدًا} في صدر الآية أي متعمدًا للقتل ناسيًا للحرمة.
قال القاضي أبو محمد: وقد تقدم ذكر هذا الفصل، قال الطبري: وقال قوم: هذه الآية مخصوصة في شخص بعينه وأسند إلى زيد بن المعلى أن رجلًا أصاب وهو محرم فتجوز له عنه ثم عاد فأرسل الله عليه نارًا فأحرقته، فذلك قوله تعالى: {ومن عاد فينتقم الله منه} وقوله تعالى: {والله عزيز ذو انتقام} تنبيه على صفتين تقتضي خوف من له بصيرة، ومن خاف ازدجر، ومن هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل. اهـ.

.من فوائد الفخر الرازي:

الفائدة الأولى: سميت الكعبة كعبة لارتفاعها وتربعها، والعرب تسمي كل بيت مربع كعبة والكعبة إنما أريد بها كل الحرم لأن الذبح والنحر لا يقعان في الكعبة ولا عندها ملازقًا لها ونظير هذه الآية قوله: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إلى البيت العتيق} [الحج: 33]. اهـ.
الفائدة الثانية: إنما سمى الله تعالى ذلك وبالا لأنه خيره بين ثلاثة أشياء: اثنان منها توجب تنقيص المال، وهو ثقيل على الطبع، وهما الجزاء بالمثل والإطعام، والثالث: يوجب إيلام البدن وهو الصوم، وذلك أيضًا ثقيل على الطبع، والمعنى: أنه تعالى أوجب على قاتل الصيد أحد هذه الأشياء التي كل واحد منها ثقيل على الطبع حتى يحترز عن قتل الصيد في الحرم وفي حال الإحرام. اهـ.

.من فوائد الرازي:

حرم جمع حرام، وفيه ثلاثة أقوال: الأول: قيل حرم أي محرمون بالحج، وقيل: وقد دخلتم الحرم، وقيل: هما مرادان بالآية، وهل يدخل فيه المحرم بالعمرة فيه خلاف. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم}.
جمع حرام.
أي: لا تقتلوا الصيد وأنتم محرمون بالحج والعمرة وقيل المراد منه دخول الحرم.
يقال: أحرم إذا عقد الإحرام، وأحرم: إذا دخل الحرم.
وقيل: هما مرادان بالآية فلا يجوز قتل الصيد للمحرم ولا في الحرم نزلت هذه الآية في أبي اليسر شد على حمار وحش فقتله وهو محرم ثم صار هذا الحكم عامًا فلا يجوز قتل الصيد ولا التعرض له ما دام محرمًا ولا في الحرم.
والمراد بالصيد، كل حيوان متوحش مأكول اللحم وهذا قول الشافعي.
وقال أبو حنيفة: هو كل حيوان متوحش سواء كان مأكولًا أو لم يكن فيجب عنده الضمان على من قتل سبعًا أو نمرًا أو نحو ذلك واستثنى الشارع خمس فواسق فأجاز قتلهن (ق).
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور» وفي رواية: «خمس لا جناح على من قتلهن في الحرم والإحرام» (ق).
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خمس من الدواب كلهن فواسق يقتلن في الحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور» ولمسلم «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم» وذكر نحوه.
وفي رواية النسائي قال: «خمس يقتلن المحرم: الحية، والعقرب، والفأرة، والغراب الأبقع، والكلب العقور» قال ابن عيينة: الكلب العقور كل سبع ضار يعقر.
وقاس الشافعي عليها جميع ما لا يؤكل لحمه، قال: لأن الحديث يشتمل على أشياء بعضها سباع ضارية وبعضها هوام قاتلة وبعضها طير لا يدخل في معنى السباع ولا في معنى الهوام وإنما هو حيوان مستخبث اللحم.
وتحريم الأكل، يجمع الكل فاعتبره ورتب عليه الحكم.
وذهب أصحاب الرأي إلى وجوب الجزاء في كل ما لا يؤكل لحمه إلا الأعيان المذكورة في الحديث وقاسوا عليها الذئب فلم يوجبوا فيه كفارة.
قوله تعالى: {ومن قتله منكم متعمدًا} قال مجاهد والحسن وابن زيد: هو الذي يتعمد قتل الصيد مع نسيان الإحرام فعليه الجزاء.
أما إذا تعمد قتل الصيد ذكرًا لإحرامه، فلا جزاء عليه لأنه أعظم من أن يكون له كفارة.
وقال ابن عباس والجمهور: يحكم عليه بالجزاء وإن تعمد القتل مع ذكر الإحرام وهذا مذهب عامة الفقهاء، أما إذا قتل الصيد خطأ بأن قصد غيره بالرمي فأصابه، فهو كالعمد في وجوب الجزاء وهذا مذهب جمهور المفسرين والفقهاء قال الزهري: نزل القرآن بالعمد وجرت السنة في الخطأ يعني ألحقت المخطئ بالمتعمد في وجوب الجزاء وقال سعيد بن جبير: لا أرى في الخطأ شيئًا وهذا قول شاذ لا يؤخذ به {فجزاء مثل ما قتل من النعم} يعني فعليه جزاء من النعم مثل ما قتل والمثل والشبه واحد واختلفوا في هذه المماثلة أهي بالخلقة أم بالقيمة والذي عليه جمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم أن المماثلة في الخلقة معتبرة لأن ظاهر الآية يدل على ذلك وما لا مثل له فالقيمة، وقال أبو حنيفة: المثل الواجب في قتل الصيد هو القيمة لأن الصيد المقتول إذا لم يكن له مثل فإنه يضمن بالقيمة وهذا لا نزاع فيه فكان المراد بالمثل هو القيمة في هذه الصورة فوجب أن يكون في سائر الصور كذلك لأن اللفظ الواحد لا يجوز حمله إلا على معنى واحد وأجيب عنه بأن حقيقة المماثلة أمر معلوم فيجيب رعايتها بأقصى الإمكان وإن لم تكن رعايتها إلا بالقيمة وجب الاكتفاء بها للضرورة وحجة الشافعي ومن وافقه في اعتبار المماثلة بالخلقة أن الصحابة حكموا في بلدان شتى وأزمان مختلفة بالمثل من النعم فحكموا في النعامة ببدنة وهي لا تساوي بدنة وحكموا في حمار الوحش ببقرة وهو لا يساوي بقرة وكذا في الضبع بكبش فدل ذلك على أنهم إنما نظروا إلى ما يقرب من الصيد شبهًا من حيث الخلقة فحكموا به ولم يعتبروا القيمة فيجب في الظبي شاة وفي الأرنب سخل وفي الضب سخلة وفي اليربوع جفرة ويجب في الحمامة وكل ما عبَّ وهدر كالفواخت والقمري وذوات الأطواق شاة وما سواه من الطير ففيه القيمة في المكان الذي أصيب فيه.
وروي عن عثمان وابن عباس أنهما حكما في حمام الحرم.
وروي عن عمر أنه قضى في الضبع بكبش وفي الغزال بعنز وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة.
وقوله تعالى: {يحكم به ذوا عدل منكم} يعني يحكم بالجزاء في قتل الصيد رجلان صالحان عدلان من أهل ملتكم ودينكم وينبغي أن يكونا فقيهين فينظران إلى أشبه الأشياء به من النعم فيحكمان به.
قال ميمون بن مهران: جاء أعرابي إلى أبي بكر الصديق، فقال: إني أصبت من الصيد كذا وكذا فسأل أبو بكر بن كعب، فقال الأعرابي: إني أتيتك أسألك وأنت تسأل غيرك، فقال أبو بكر: وما أنكرت من ذلك؟ قال الله تعالى: {يحكم به ذوا عدل منكم} فشاورت صاحبي فإذا اتفقنا على شيء أمرناك به وقوله تعالى: {هديًا بالغ الكعبة} يعني أن الكفارة هدي يساق إلى الكعبة وسميت الكعبة كعبة لارتفاعها والعرب تسمي كل بيت مرتفع كعبة.
وإنما أريد الكعبة، كل الحرم لأن الذبح لا يقع في الكعبة وعندها ملاقيًا لها إنما يقع في الحرم وهو المراد بالبلوغ فيذبح الهدي بمكة ويتصدق به على مساكين الحرم هذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة له أن يتصدق به حيث شاء إذا وصل الهدي إلى الكعبة {أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صيامًا} ذهب الشافعي ومالك وأبو حنيفة إلى أن كلمة- أو- في هذه الآية للتخيير وقال أحمد وزفر من أصحاب أبي حنيفة إنها للترتيب وهما روايتان.
عن ابن عباس قال الشافعي إذا قتل صيدًا له مثل فهو مخير بين ثلاثة أشياء: إن شاء ذبح المثل من النعم وتصدق به على مساكين الحرم وإن شاء قوم المثل دراهم والدراهم طعامًا ثم يتصدق به على مساكين الحرم وإن شاء صام عن كل مد من الطعام يومًا.
وقال أبو حنيفة: يصوم عن كل نصف صاع يومًا.